العيد في الإسلام
قال تبارك وتعالى: ((الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً))[1].
إنّ طبيعة الأعياد في الإسلام تختلف عن الأعياد في الأديان الأخرى، فالعيد في غير الإسلام هو غالباً للحصول على مكسب مادي بحت.
مثلاً، الشخص الذي يربح في تجارته ربحاً وفيراً يتخذ ذلك اليوم عيداً له، ومن يحقّق أمنية من أمانيه يعد ذلك اليوم عيداً له، وكذلك الشخص الذي يولد له مولود يتخذ هذا اليوم عيداً، وهكذا توجد نماذج كثيرة لهذه الأعياد في نظرهم، وخصوصاً في بعض المجتمعات الغربية ومن سار على شاكلتهم.
وبتوضيح أكثر نقول: إنّ أغلب الأعياد في غير الإسلام ترتكز على الماديات المحضة فحسب، وعلى إشباع الرغبات الجسدية فقط.
أما العيد في الإسلام فإنه يختلف اختلافاً كبيراً عن هذه الأعياد ـ من حيث المعنى والدلالة ـ فالإسلام الذي يرى الإنسان جسماً وروحاً ومادة ومعنى، ويحاول التعادل بينهما والتكافؤ فيهما، ينسّق في أعياده بين الماديات والمعنويات، ويؤكد على أنه كما يستفيد الإنسان من مظاهر العيد المادية، يستفيد كذلك من الأمور الروحية والمعنوية أيضاً.
إن العيد في نظر الإسلام هو اليوم الذي يتنازل فيه الإنسان عن بعض الماديات لصالح أموره الروحية والمعنوية، خُذ مثلاً عيد الفطر: هذا العيد الذي يأتي بعد مرور شهر كامل على تنازل الإنسان عن أهم الحاجات الجسدية، والرغبات الشهوانية والجسمانية، وهي حاجته للطعام والشراب وما إلى ذلك من الأشياء التي يمتنع عنها الصائم في صيامه، فهو عيد قوة الروح وسلامته، والسيطرة على الشهوات والرغبات، لكسب معنوي، وهو التعادل بين الروح والجسم، إضافة إلى الثواب الآخروي، وامتلاك الإرادة الصلبة في مجال الطاعة لله عزوجل واكتساب فضائل روحية عديدة، مثل الإحساس بالفقراء ومواساتهم، والنزوع عن هوى النفس وشهواتها، وغير ذلك.
فقد قال أمير المؤمنين الإمام علي (عليه السلام): «إنما هو عيد لمن قبل الله صيامه وشكر قيامه، وكل يوم لا تعصي الله فيه فهو يوم عيد»[2].
ومن الواضح أنّ هذا العيد لا يخصّ إنساناً واحداً بعينه، وإنْ كان يعود عليه بالنفع والفائدة، بل إنّ هذا العيد يشمل كل المجتمع، فآثاره عندنا عامة لا خاصة فقط، واجتماعية لا شخصية فحسب.
أما العيد في غير الإسلام، فإنه مجرد حصول الشخص على رغبة مادية بحتة، وان كان فيها شيء من المعنويات فهو يتغاضى عنها ولا يعبأ بها، خذ مثلاً عيد ميلاد الأشخاص العاديين، ماذا يعني ذلك عندهم؟
إنه يعني مجرد الحصول على هذا الجسم متغافلين عن الروح الذي هو جوهر الجسم وبه حياته، فهل الاحتفال بشق الإنسان وهو الجسم الأقل أهمية، ونسيان الشق الآخر وهو الروح الأكبر أهمية، يعدّ احتفالاً كاملاً وشاملاً، ومفيداً ونافعاً!
كلاّ، ليس هذا الاحتفال احتفالاً كاملاً وشاملاً، لأنه لا يعود على جوهر الإنسان وهو روحه ومعنوياته بخير أبداً، بل يزيد في تضخيم الجسم والماديات على حساب الروح والمعنويات، ولا يكون مفيداً ولا نافعاً؛ لأنه يؤدي إلى عدم التوازن بينهما، وعدم التوازن بينهما يعني: القلق والاضطراب، والبؤس والمرض.
وربَّ سائل يسأل: لماذا يحتفل المسلمون وخصوصاً الشيعة بذكرى ولادة الأنبياء والأئمة والأولياء (عليهم الصلاة والسلام)؟
وللجواب نقول: إن احتفالنا بذكرى ولادة النبي (صلى الله عليه وآله) والأئمة (عليهم السلام) هو احتفالٌ كاملٌ وشاملٌ، لأنا إضافة إلى الاحتفاء بولادتهم الجسمانية، نهتم بفضائلهم الروحية والمعنوية، ونحتشد لإحياء ما قدموه للإنسانية من خدمات عظيمة تستحق الاحتفال والتذكر دوماً.
لذا فإن الاحتفال بـ «عيد الغدير» هو باعتبار عظمة الذكرى[3] أولاً، وباعتبار أنّ الإمام (عليه السلام) علّمنا في هذا اليوم كيف نصل إلى الأمن والسلام، والسعادة والهناء وكيف نستعمل الأمور المادية لخير الإنسانية، وكيف نستفيد من الحياة لصالح الآخرة ونعيمها، وان لا نبيع آخرتنا الباقية لدنيانا الفانية، ولا العكس بأن نترك دنيانا ونتناساها بالمرة من أجل الآخرة، فقد قال الإمام الصادق (عليه السلام): «ليس منا من ترك دنياه لآخرته، ولا آخرته لدنياه»[4] وهذا هو الكسب الإنساني الصحيح؛ لأنّ في اتباع ذلك الفوز بحياة سعيدة في الدنيا، وبالجنة والنجاة من النار في الآخرة.
نعم، إن عيد الغدير هو إحياء للمعنويات إلى جانب الماديات، فهو يوم تعيين الخلافة لعلي (عليه السلام) بعد الرسول (صلى الله عليه وآله) مضافاً إلى أنه أمر معنوي سماوي نزل به جبرئيل على رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ولهذا يعتبر هذا العيد من أهم وأعظم الأعياد عند المسلمين. وفي ذلك قال أحد أصحاب الأئمة (عليهم السلام): سألت أبا عبد الله (عليه السلام) هل للمسلمين عيد غير يوم الجمعة والأضحى والفطر؟
قال (عليه السلام): «نعم، أعظمها حرمة».
قلت: وأي عيد هو جعلت فداك؟!
قال (عليه السلام): «اليوم الذي نصب فيه رسول الله (صلى الله عليه وآله) أمير المؤمنين (عليه السلام)، وقال: من كُنت مولاه فعلي مولاه».
قلت: وأي يوم هو؟
قال (عليه السلام): «وما تصنع باليوم؟ إنّ السنة تدور، ولكنه يوم ثمانية عشر من ذي الحجة».
فقلت: ما ينبغي لنا أن نفعل في ذلك اليوم؟
قال: «تذكرون الله (عزّ ذكره) فيه بالصيام والعبادة، والذكر لمحمد وآل محمد، فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أوصى أمير المؤمنين (عليه السلام) أن يُتخذ ذلك اليوم عيداً، وكذلك كانت الأنبياء تفعل، كانوا يوصون أوصياءهم بذلك فيتخذونه عيداً»[5].
فعلى المسلمين اليوم أن يجعلوا هذا اليوم حافزاً لهم لعمل الخير والصلاح، والاتجاه إلى الله في كل عمل من أعمالهم، والوقوف بوجه الظالمين وأعداء الدين، ليزدادوا قرباً من العلي القدير.